أثر الأيمان في حياة الإنسان

الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لا اله إلا الله وان محمد رسول الله، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه .

اللهم الهمنا الصواب وآتنا الحكمة وفصل الخطاب .

أما بعد :

فهذه الندوة عن أثر الايمان في حياة الانسان ومن اثار الايمان على سلوك الانسان، تحري الحلال واجتناب الحرام في المأكل والمشرب والنفقة، عن ابي هريرة رضي الله عنه : إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وان الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات. وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم.

وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

يأتي على الناس زمان لا يبالي العبد بحلال أخذ المال أم بحرام.

وعنه صلى الله عليه وسلم : لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من بين يدي ربه عزوجل حتى يُسال عن ماله من أين أكتسبه وفيم انفقه.

ومن شعر الامام الاوزاعي رحمه الله :

المال يذهب حِله وحرامه               يوماً وتبقي بعد ذا آثامه

ليس التقي بمتقٍ لا لهه           حتى يطيب طعامه وكلامه

اذا كان الأمر كذلك كان واجباً على الانسان ان يعرف الحلال الحرام وبخاصة في مجال الأموال والمعاملات المالية لكثرة ما يقع فيها من المحرمات. قال ابن حزم رحمه الله في المحلى : فاذا أحل الله البيع وحرم الربا فواجب على المسلم طلب معرفته ليجتنب.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : لا يبع في سوقنا إلا من يفقه والا أكل الربا شاء أم أبى.

وأورد صاحب البحر الرائق : وكان التجار في القديم اذا سافروا استصحبوا معهم فقيهاً يرجعون إليه، وعن ائمة خوازم : لابد للتاجر من فقيه صديق.

وقيل لمحمد بن الحسين الشيباني : الا تصنف في الزهد شيئاً قال قد فعلت: كتاب البيوع وليس الزهد إلا اجتناب الحرام والرغبة في الحلال. ابتغاء الحلال واجتناب الحرام نتيجة من نتائج الايمان الحق. واكثر ما يقع من ذلك في يوم الناس هذا في الأموال وأعمال المصارف والبنوك لا يخفاكم ان جميع ما في ايدي الناس من المال يدور اليوم في المصارف والبنوك واصبحت هذه المؤسسات المالية من أساسيات الحياة وحاجاتها التي لا يكاد يستغني عنها أحد. ولذلك لزم على كل مسلم غيور حريص على ان يستبرئ لدينه ان يعرف عمل المصارف ودورها ووظيفتها وان يعرف ما يحل من معاملاتها وما يحرم وما يجوز من خدماتها ومالا يجوز.

ما هي البنوك ؟

البنوك هي الوعاء الذي تجتمع فيه الأموال فتحفظ من السرقة والضياع ويسهل على أصحابها تحويلها ونقلها من مكان الى آخر ويتيسر عليهم استخدامها باستخدام ادوات الدفع الحديثة كالشيكات والبطاقات ونحوها.

ولكن اهم من ذلك كله ان هذه الأموال باجتماعها في وعاء واحد وهي مملوكة لالآف بل ملايين الناس يمكن ان يتولد منها حيز كثير لافراد المجتمع ومؤسساته من زيادة معدل النمو وتوليد فرص العمل وتمويل المشاريع وما الى ذلك.

لنتصور ان البنوك لم تعد موجودة وان على كل انسان ان يحتفظ بامواله في صندوق حفظ في منزله او متجره او نحو ذلك. كيف يمكن تمويل المشاريع وكيف يمكن توفير السلع والخدمات النافعة بالبيوع الآجلة والتقسيط وما الى ذلك؟ وبخاصة اذا عرفنا ان ما يترتب على وجود هذا الوعاء تضاعف حجم النقود التي تصدرها الحكومة اضعافاً كثيرة.

لقد أدركت المجتمعات الانسانية منذ القديم المنافع العظيمة التي تترتب على جمع الأموال في وعاء واحد فمن فاض عنده المال اودعه فيه ومن احتاج الى المال اخذ منه، فا قامت تلك المجتمعات القديمة لذلك ترتيبات معينة وصممت معاقدات خاصة غرضها توجيه المدخرات لاغراض ينتفع بها الجميع، لان هذا احد أهم أسس الاجتماع.

وليست مجتمعات الاسلام القديمة إسننا من ذلك. بل قبل ذلك كانت مكة مركزاً تجارياً عظيماً في وقت بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قولنا اليوم نيويورك او لندن كان مكة مركز العالم القديم في التجارة والمال والأعمال. والتجارة تحتاج الى مال فمن اين أتي المال لتجارة مكة، وتمويل رحلة الشتاء والصيف؟ لان أهل مكة عرفوا خاصية هذا الوعاء فكانت اموال أهل مكة جميعاً تجتمع في اوعية التجار الكبار، فتجرون بها ويقتسمون الارباح مع أصحابها.

فكانت فكرة الوعاء موجودة منذ ذلك الزمان وليست البنوك إلا صيغة معاصرة ومطورة مقننة لما كان معروفاً للناس ومعمولاً به في المجتمعات المختلفة قديماً.

ثم بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ الرسالة وبين للناس ما يجوز وما يحرم من المعاملات، فجاء القرآن الكريم واضحاً صريحاً : وأحل الله البيع وحرم الربا، فجعل الحد الفاصل بين المعاملات المالية الجائزة المباحة وتلك المحرمة الممنوعة هو الفرق بين البيع والربا.

لقد تطورت حضارة الاسلام وعظم شأن دولة المسلمين على مدى قرون طويلة وكان نشاطها الأهم هو التجارة ومع ذلك كله فقد نجحت هذه المجتمعات في ترتيب عملية جمع المدخرات دون حاجة الى معاملات او معاقدات ربوية.

شهد بذلك المؤرخون جميعاً ومنهم احد المستشرقين المتخصصين في التاريخ الاقتصادي واسمه ابراهام يودفتش قال ما نصه : لقد كانت المضاربة والمشاركة هي الأساس الذي اعتمد عليه المسلمون في جمع المدخرات وتوجيهها نحو اغراض الاستثمار.

اذن نحن نحتاج الى البنوك ولا نستغني عنها وليس هذا أمراً جديداً في حياة الناس لان وجود هذا الوعاء الذي تجمع فيه اموال الناس حتى يتحقق لهم جميعاً النفع العام لم يستغن عنها مجتمع قديماً ولا حديثاً. والشريعة ليست عاجزة بل العجز انما ينتاب المسلمين.

ولذلك لما بزغت شمس الصحوة الاسلامية وفاق المسلمون من رقادهم ليراجعوا ما خلفه المستعمر في بلادهم ما كان عليهم إلا العودة الى تاريخهم المجيد للاجابة عن السؤال كيف استغنى المسلمون عن الربا قديماً مع ان المجتمعات الاخرى في اوروبا وغيرها كانت غارقة فيه منذ عهد الاغريق. الجواب: وأحل الله البيع وحرم الربا ولذلك فقد اتجه عمل البنوك الإسلامية الى الاستغناء عن القرض بزيادة لانه من الربا والاعتماد على البيوع بديلاً عن الربا وعن المعاملات المحرمة. فجاءت المرابحة والاستصناع والسلم ومعاملات التورق وكل ذلك من البيوع. التي هي بديل عن الربا.

ولان دين الاسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده وهو باقٍ الى قيام الساعة، فلا بد ان تكون شريعته صالحة لكل زمان ومكان لانها تتوافر على القواعد والأصول القادرة على استيعاب المتغيرات والتصدي للنوازل والمستجدات.

فجاءت المصرفية الإسلامية وجهاً مشرقاً من أوجه النظام الاسلامي، لانها كسائر جوانب هذه الشريعة واركان هذا الدين إعجاز يتبين منه لكل ذي بصيرة انه من عند الله.

فإذا سألنا سائل ما الحكمة، ألا يسعكم ما وسع العالم من حولكم، ما الضرر الذي يحصل لو انكم سرتمس على ما سار عليه القوم من التعامل بالفائدة. فالجواب : لا يأتي من عندنا وعندنا جواب ايماني اننا متعبدون بالطاعة ولكننا نجيب بجواب ذوي الاختصاص لديهم. فهذا الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد وهي اعلى درجة يصل إليها عالم عندهم، الفرنسي موريس آلد يقول بعد ان بين مثالث القروض واضرار الديون: ان الحضارة الغربية سوف تنهار تحت هرم الديون.

الديون التي يتحدث عنها هذا الاقتصادي الشهير ليست ديون المرابحة والسلم والاستصناع ليست الديون التي يقول فيها عزوجل وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وانما الديون تقام لها الاسواق فتباع وتشتري كالسلع ويتعامل بها كما كان أهل الجاهلية يفعلون "أنقضي ام تربي" أي انها مرتبطة بالزمن تزيد بزيادته وقابلة للبيع فتنقص بنقصه. وهذه معجزة نهديها الى شيخنا د. عبدالله المصلح في الاعجاز العلمي.  ذلك ان الديون التي لا تزيد بزيادة الزمن ولا يجري بيعها او حسمها قبل أجلها لا يترتب عليها المفاسد الاقتصادية التي تعاني منها المجتمعات الغربية. فانظر الى هذا الترتيب العجيب هذا الاعجاز الذي يدل على ان هذه الشريعة ليست من صنع البشر أبيحت المداينات لان فيها مصالح للناس والشريعة مبناها جلب المصالح، ونزع منها ارتباطها بالزمن وحسمها قبل اوانها لانها اساس الفساد والشريعة مبناها درء المفاسد.

ومما من الله به على هذه البلاد لما فيها من خير عظيم في ابنائها وفي ولاة أمورها وفي جميع مواطنيها والمقيمين فيها فقد اتجهت البنوك جميعاً الى المصرفية الإسلامية.

وهي عندما تفعل ذلك فانها تقدم لعملائها خدمات مصرفية خالية من الربا والمحرمات المالية. وهي من فضل الله سبحانه وتعالى وتشجيع ابناء هذا الوطن لها لحرصهم على الحلال وتجنبهم للحرام فان هذه البنوك من ناحية انضباطها الشرعي يومها خير من أمسها، وغدها باذن الله خير من يومها. لم تبلغ مبلغ الكمال، ولكنها تتحسن يوماً بعد يوم. ولن تصل الى ما نصبوا إليه ويصبوا إليه كل مخلص لدينه الا بالرعاية منكم، الرعاية معناها الحرص على النصيحة والتقويم لكل اعوجاج والتوجيه بكل ما هو حسن والتشجيع بالاقبال عليها مع استبطان النية بالعمل على رفع بلوى الربا عن هذا المجتمع.

وقد وجدنا بحمد الله ما من بنك اتجه هذا الاتجاه إلا انفتحت ابواب الارباح امامه وزاد عمله ونمت تجارته وكثرت الأموال في يديه ولو اننا قمنا بدراسة سريعة لوجدنا انه بقدر ما يكون الالتزام الصارم بالضوابط الشرعية بقدر ما تكون الأرباح عالية كثيرة.

لا اريد ان استأثر بالوقت بل سأوثركم على نفسي فيه.

اقول قولي هذا واستغفروا الله العظيم لي ولكم.

  © جميع حقوق النشر محفوظة  لـ اسلامي اف ان 2003، Copyright 2003 Islamifn, All Rights Rescived

Webmaster islam@islamifn.com   Privacy Policy