التأمين في اللغة :

التأمين في اللغة العربية مشتق من الأمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف. وله معان:منها إعطاء الأمان، مثل تأمين الحربي إذا نزل في بلاد المسلمين، ومنها التأمين على الدعاء وهو قول آمين أي إستجب.

وأقرب معاني التأمين في المصطلح المالي المعاصر هو "إعطاء الأمن" ذلك إن التأمين هو نشاط تجاري غرضه إن يحصل تأمين الأفراد والشركات من بعض ما يخافون من المكاره مقابل عوض مالي فهو معنى جديد وان كان اشتقاقاً صحيحاً من كلمة "أمن".

تاريخ التأمين :

التأمين قديم. ويدعي بعض الكتاب إنه قد عرف بصيغته المعاصرة منذ أيام الإغريق، إذ كان المحاربون عندئذٍ يجتمعون للمساهمة بأقساط في صندوق يقوم بتعويض أسرة الجندي القتيل. وقيل إن الفينيغيين عرفوا التأمين البحري بصيغة مشابهة لما سبق وقد عاشوا قبل نحو ألفي سنة قبل الميلاد.

ومن الثابت إن التأمين بالصورة التي نعرفها اليوم كان معروفاً في أوروبا منذ نحو ستة قرون وقد كان في مدينة فلاندرز الإيطالية شركة متخصصة في التأمين في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي. وتعود أول بوليصة للتأمين البحري إلى نحو سنة 1347ميلادية. ويقال إن أول تأمين ضد الحريق ظهر في بريطانيا بعد سنة 1666م وهي السنة التي شهدت حريق لندن الذي أتي على أكثر المباني في تلك المدينة.

ولم تظهر شركة التأمين على الحياة في انجلترا إلا في سنة 1699م أي بعد الانتهاء من إعداد قوائم الوفيات في بريطانيا سنة 1693م الذي مكن من إجراء الحسابات الاكتوارية التي تمكن من إعمال قانون الأعداد الكبيرة كما سيأتي تفصيله.

وقد مارست اتحادات المهنيين في العصور الوسطى في أوروبا نشاطاً شبيهاً بالتأمين حيث كانت تجمع الاشتراكات من أعضائها من الصناع ثم تساعدهم في حال وقوع المكروه على أحدهم، وقد أشتهرت بأنها لا تساعد من وقع المكروه عليه بسبب له فيه يد (مثل أن يحرق منزله بنفسه طلباً للتعويض) بل تقتصر على ما وقع من المكروه بقوة قاهرة. وهذا شبيه بشروط التأمين المعاصرة.

ويرى بعض المؤرخين إن انتشار التأمين البحري كان له أعظم الأثر في دعم النشاط التجاري للأوربيين عبر البحار وما ترتب عليه مما يسميه الأوربيون "اكتشاف" أمريكا ورأس الرجاء الصالح وكان من أهم نتائج ذلك الاستعمار الأوروبي التي شمل أكثر بقاع الأرض لقرون عديدة.

لقد ساعد التأمين البحري على "تشتيت" مخاطر التجارة الخارجية بحيث يتحملها عدد كبير من التجار غير مقتصر على الفئة التي تجوب البحار. وقد انتعشت في هذه الحقبة من الزمن "بورصة التأمين" حيث كان التجار يقومون فيها بالالتزام مقابل رسوم محددة، بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحق بالتجار بسبب مخاطر أعالي البحار. وقد اشتهر التجار في إقليم "لمباردي" الإيطالي بامتهان ذلك حتى أن بوالص التأمين في بريطانيا في ذلك الوقت كانت تكتب باللغة الإيطالية. وأسست لويدز ذات الشهرة الذائعة في التأمين حتى يوم الناس هذا في ليفربول بانجلترا في سنة 1688م. أما أول شركة تأمين تظهر في الولايات المتحدة فكانت في سنة 1752م أسسها بنيامين فرانكلين الذي صار بعدئذٍ رئيسياً للولايات المتحدة.

أصول التأمين :

الواقع إن الفكرة الكامنة في التأمين ليست إلا التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع يجري تقنينه وترتيبه بطريقة منظمة بتصميم نظام حيث له منسجم مع التطورات المالية والاقتصادية. وخلاصته إن يقوم مجموعة من الناس يتعرضون لمخاطر متشابهة بضم تلك المخاطر إلى بعضها البعض (عن طريق شركة متخصصة) والاشتراك في رصد ما يكفي من المال لتعويض من يقع عليه المكروه خلال فترة معينة. ولما كان من طبيعة المخاطر التي يغطيها التأمين إن يقع المكروه على البعض فقط وليس على الكل، صار دفع كل فرد مبلغا صغيراً كافياً لتعويض البعض الذي يتعرض لذلك المكروه خلال المدة المتفق عليها. فالإنسان يتعرض في حياته وأثناء ممارسته لعمله ونشاطه للعديد من المخاطر، وينتج عن ذلك وقوع المكروه الذي يسبب خسارة مادية أو معنوية.

وقد تزايدت أهمية التأمين بقدر ما تطورت الحياة وتحسنت سبل المعاش وزادت رفاهية الإنسان إذ يترتب على ذلك زيادة في المخاطر التي يتعرض لها الإنسان. والخطر ليس هو الخسارة بل هو احتمال وقوع المكروه، أي أن يكون الإنسان بين أمرين ليس يدري أيهما يقع أحدهما المكروه الذي يحذر والآخر هو السلامة منه. ولما كان ما يخشاه الإنسان هو هذه الخسارة، وجدنا إن المخاطر تتعاظم مع كثرة الغنى وتعدد الأصول المملوكة للإنسان وارتفاع مستوى المعيشة وزيادة الثراء، لأنه بقدر ما تكثر هذه الممتلكات بقدر ما تعظم الخسائر التي تترتب على وقوع المكروه وتزداد حاجته للتأمين.

ولهذه الخسائر أسباب هي المكروه الذي يحاذر الإنسان منه مثل الحريق، واصطدام السيارات، والمرض الذي يصيب الإنسان ويسبب له الألم أو يفقده القدرة على الكسب والموت والفيضانات والزلازل التي تسبب خسارة الأموال وهلاك الحرث والنسل....الخ.

والخسارة في لغة التأمين (أي التي إذا وقعت استحق المستأمن التعويض) لها معنى محدد هو: "انحطاط قيمة أصل من الأصول بسبب غير متعمد"، مثل تلك التي تسببها الحوادث والكوارث في الممتلكات أو يسببها الموت أو المرض والعوارض الأخرى في جسم الإنسان ولا يدخل في معناها الخسارة في التجارة على سبيل المثال.

إن تفادي المخاطر والحرص على السلامة طبع للإنسان وهو جزء من فطرته التي يشترك فيها مع كل كائن حي. ولذلك فالتأمين تدفع إليه هذه الغريزة، ويعد جزءاً من سعي الإنسان بطرق متعددة للحرص على السلامة وهذه الطرق عرفها الإنسان منذ القديم وتبناها واعتمد عليها بدرجات مختلفة حتى يوم الناس هذا، يواجه بها المخاطر التي تحدق به في حياته، منها :

أ- الحذر والحيطة، بالابتعاد عن الأماكن والأحوال التي تزيد من احتمال وقوع المكروه مثل الامتناع عن الأفعال والسلوك الذي يسبب الضرر في الحل والترحال والعمل والراحة، فمثلاً السرعة في قيادة السيارة أمر يجعل احتمال التعرض للحوادث أكبر من التأني في ذلك، كما إن المحافظة على صيانة الأجهزة يطيل عمرها ويقلل خطرها وهكذا.

ب- ومن طرق مواجهة المخاطر الترتيبان التي يتبناها الفرد لنقل هذه المخاطر إلى جهة أخرى، فالمقاولة من الباطن، على سبيل المثال، هي وسيلة لنقل مخاطر العمل من العاقد الأصلي إلى أطراف أخرى. وكذلك الشروط في العقود التي تحمي بعض أطرافها، والشروط الجزائية وطرق الاحتماء المختلفة في المعاملات التجارية كل ذلك من طرق تقليل المخاطر.

ج-  ومنها السعي نحو تقليل الخطر بالتنويع فلا يضع الإنسان "البيض كله في سلة واحدة" كما يقولون من ذلك مثلاً توسيع العمليات التي تقوم بها الشركة على رقعة جغرافية أكبر، فالخطر الذي تتعرض له الشركة التي يكون لها 50 مستودعاً أقل، للمستودع الواحد من تلك التي يكون لها مستودع واحد كبير. إلى آخر ذلك مما هو معروف لا يحتاج إلى بيان. وكله يدل على سعي الإنسان إلى تفادي المخاطر.

إن التأمين بمعناه الحديث صيغة من صيغ "إدارة" المخاطر وجذوره التكافل بين أفراد المجتمع الذي هو أساس الاجتماع في كل دورات التاريخ. وقد عرفت كل المجتمعات الإنسانية أنماطاً عن التكافل والتعاون، وما زال الناس يهرعون إلى نجدة الملهوف ومساعدة المصاب ومد يد العون إلى المحتاج. ومجتمعات الإسلام هي غرة جبين الزمان في حرصها على التكافل وعنايتها بالتعاون وحث دينها على مثل ذلك في الأخلاق وفي القوانين الفقهية التي تنظم المعاش وتحكم العلاقات بين الأفراد. ومن أعظم مؤسساتها الزكاة والوقف ونظام العاقلة. فكأن التأمين قائم بينهم بالتزام كل قادر منهم بمساعدة إخوانه ممن يقع عليه المكروه دون الحاجة إلى وجود جهة مركزية تنظم هذا بينهم بعقود واتفاقيات. إلا أن هذا الأمر قد اعتراه التبدل الذي وقع في حياة المجتمعات في العصور الحديثة الأمر الذي احتاجت معه صيغ التكافل والتعاون إلى مؤسسات متخصصة يقتصر عملها على تنظيم وظيفة التكافل والنهوض بحاجة الناس إلى مساعدة بعضهم بعضاً عند وقوع المكروه. فظهرت مؤسسات التأمين كما نعرفها اليوم.

ورب سائل: لماذا احتاج الأمر إلى مؤسسات متخصصة ولم يعد يكفي فيه ما كان عليه الأوائل من ترتيبات للتعاون والتكافل ضمن نطاق العلاقات الاجتماعية أو المهنية أو علاقات الجوار والرحم. والجواب عن ذلك :

أ- إن المخاطر التي كانت تحدق بالفرد في الزمان القديم محدودة ومتشابهة بين فرد وأخر، وسبب ذلك بساطة الحياة وضآلة قيمة الأصول المملوكة للناس وقلة أنواع السلع والخدمات. ولذلك كان التزام الفرد بمساعدة الآخرين إنما هو التزام قابل للتوقع بصورة عفوية وممكن التقدير والقياس بسهولة. فالمخاطر متشابهة، ومستوى العيش متقارب.  ثم لما تطورت سبل العيش وتحسنت وسائل المواصلات وتنوعت التجارات وأزداد مستوى الرفاهية بظهور أنماط وأنواع مستجدة من السلع والخدمات كالسيارات والطائرات والكهرباء والالكترونيات...الخ. زادت هذه المخاطر زيادة عظيمة في الحجم والقيمة وتنوعت فلم تعد متشابهة كما كانت في الماضي ولذلك فإن من يعمل في التجارة يتعرض لمخاطر مختلفة تمام الاختلاف عن الطبيب أو العامل في محطة الكهرباء أو المعلم في المدرسة....الخ. واصبحت الفجوة بين الغني والفقير عظيمة. فأصبح التزام كل فرد بمساعدة الآخرين يترتب عليه تحمل بعضهم تبعات عند حدوث المكروه للآخرين أكثر من البعض الآخر مما احتاج معه إلى تنظيم تتحدد بموجبه قدر المسؤولية بقياسها بمقدار الخطر.

ب- كانت جميع النشاطات التي يقوم بها الأفراد تتم بصفة مباشرة ضمن شبكة العلاقات الاجتماعية القائمة. ففي مجال التعلم، كان العلم يتلقاه التابع عن الشيخ، والمهنة يأخذها المتدرب عن الحرفي الماهر..الخ، ولكن لما تطورت المجتمعات صار الناس يتعلمون في مؤسسة متخصصة تسمى الجامعة أو الكلية أو المعهد الصناعي.

وكذلك حال التكافل إذ كان يتم ضمن علاقات النسب بين أفراد القبيلة الواحدة أو الجوار في الحي أو المهنة الواحدة أو أهل السوق الواحد...الخ. ثم لما جاء عصر التخصص وتقسيم العمل ظهرت المؤسسات التي تخصصت في تلك النشاطات التي كان يقوم بها الأفراد في القديم. فصار العلم يتلقاه الطالب في جامعة فلا يقال شيخه فلان بل يقال تخرج في الجامعة الفلانية.  وكذلك حال المهن الصناعية التي ظهرت لها المعاهد المتخصصة والكليات. وليس حال التكافل استثناء من ذلك. فقد كان تعاون الناس ومساعدة بعضهم البعض يتم من خلال علاقات القرابة والجوار والرحم...الخ. فأحتاج الأمر إلى إن تتخصص فيه مؤسسة فظهرت مؤسسات التأمين تماماً كما ظهرت البنوك مؤسسات للوساطة المالية والشركات المساهمة والجامعات والمعاهد والمنظمات الدولية...الخ.

قانون الأعداد الكبيرة:

ما كان للتأمين بصورته المعاصرة إن يظهر لولا اكتشاف ما سمي في علم الإحصاء قانون الأعداد الكبيرة. ذلك إن سر التأمين ينكشف في الإجابة عن السؤال: كيف يمكن من خلال تجميع المخاطر على مستوى مجموعة من الأفراد (وهو عمل شركة التأمين) إلى تقليل المخاطر التي يواجهها كل فرد من تلك المجموعة (وهو غرض المستفيد من التأمين) إنه قانون الأعداد الكبيرة (أو قانون المتوسطات).

يعود إكتشاف هذا القانون إلى عدة قرون مضت عندما لاحظ الرياضيون في القرن السابع عشر في أوروبا عند أعدادهم لقوائم الوفيات إن عدد الموتى من الذكور والإناث من كل بلد يميل إلى التساوي كلما زاد عدد المسجلين في القائمة. وقد أصبحت دراسة هذه الظاهرة جزءاً من علم الإحصاء عندما كتب عنها سيمون بواسان وسماها قانون الأعداد الكبيرة لما بدا له من إنها تشبه نواميس الطبيعة. وقانون الأعداد الكبيرة يتعلق باستقرار تكرار بعض الحوادث عند وجود عدد كافٍ منها، مع أنها تبدو عشوائية لا ينتظمها قانون إذا نظر إليها كل واحدة على حدة. مثال ذلك مصيبة الموت فهي تبدو خبط عشواء لا يمكن التنبؤ بوقوعها على فرد بعينه، ولكننا لو تحدثنا عن عدد الوفيات التي ستقع خلال العام الحالي في مدينة جدة على سبيل المثال لأمكن – بناءاً على الخبرة السابقة- إن نتوقع عدد الوفيات بشكل دقيق (إذا سارت الأمور على طبيعتها). نحن نعلم إن القول بأن أحداً لن يموت خلال العام في مدينة يسكنها أكثر من مليون أمر لا يقبل. وإذا استثنينا الكوارث والمصائب العامة والتغير الكبير في عدد السكان فان الاحتمال الأكبر إن عدد الوفيات هذا العام لن يختلف كثيراً عن الأعوام السابقة. فإذا كان لدينا عدداً كافياً من أعوام سابقة نستخرج منه متوسط فربما استطعنا توقيع عدد الوفيات لهذا العام بكل يسر وسهولة وبمستوى عالٍ من الدقة. هذا القانون الإحصائي هو الأساس الذي يقوم عليه التأمين.

إن الاستحالة التي تبدو قطعية عند محاولة توقع حادثة معينة تنقلب إلى ما يشبه اليقين إذا كان ما نحاول توقعه هو عدد كافٍ من الحوادث المشابهة. فنحن لا نستطيع إن نعرف إن كان زيد أو عمرو سيتعرض لحادث اصطدام في سيارته خلال العام الحالي لأن ذلك في علم الغيب. ولكننا نستطيع إن نعرف بشكل بالغ الدقة كم عدد الناس الذين سيتعرضون لحوادث السيارات في مدينة جدة خلال هذه السنة، اعتماداً على وجود عدد كافٍ من السنوات التي نستطيع منها إن نستنتج ما نريد بناء على قانون الأعداد الكبيرة.

الآثار الاقتصادية للتأمين :

إن التاريخ يثبت إن تطوير برامج التأمين المختلفة وانتشار العمل بها كان له آثار إيجابية في تقدم المجتمعات المعاصرة واستقرار المعاملات فيها وتحسين التوزيع للثروات والدخول في المجتمع. ولا ريب إن نهوض بريطانيا التجاري وثروتها التي تكونت في القرون الماضية من التجارة الدولية تعود في جزء كبيرة منها إلى براعتها في تطوير التأمين البحري الذي مكن تجار لندن وليفربول من غزو العالم (ثم استعمار أجزاء منه). ويمكن تلخيص الآثار الاقتصادية لانتشار التأمين في المجتمع فيما يأتي:

أ- من الثابت إن أقدم أنواع التأمين هو التأمين البحري. ولقد كان للتأمين البحري بالغ الأثر في النمو الاقتصادي في أوروبا بعد القرون الوسطي والذي كان للتجارة الدولية فيه دور مهم.

ب- إن وجود برامج فعالة للتأمين على الأصول والممتلكات يزيد من إقدام أصحاب الثروات على الاستثمار لأنها ستقلل المخاطر التي يواجهونها، فيصير بإمكانهم حصر ما يواجهونه من مخاطر بتلك المتعلقة بالعمل التجاري فحسب، فيزداد مستوى تخصصهم وخبرتهم. وجلي ما لهذا من آثار على توليد فرص العمل وزيادة الثروة القومية.

ج- من الثابت إن التأمين لا يؤدي إلى التعويض عن الضرر فحسب بل يؤدي إلى تحسن مستوى السلامة وتقليل حجم الأخطار ذلك لأن لشركات التأمين مصلحة دائمة في تقليل الحوادث وسد الذرائع إلى وقوع المكروه وتفادي أسباب حدوث الخسائر وذلك لكي تزيد من أرباحها بتقليل ما تدفعه من تعويضات ويقتضي هذا تمويل الأبحاث وتطوير البرامج والإجراءات التي تولد الحوافز لدى المستأمنين بالاهتمام بالسلامة واشتراط إجراءات يلتزم بها المستأمنون. وما هذا الانضباط الذي نراه في قيادة السيارات في الدول الغربية إلا نتيجة لعوامل منها الالتزام بالتأمين على السيارة وارتباط رسوم التأمين ودفع التعويض بطريقة القيادة والحرص على السلامة.

د- الاستقرار في التعامل بالديون ومعلوم إن البيع الآجل وأنواع المداينات الأخرى لها دور مهم في رفع مستوى رفاهية الأفراد وتنشيط التجارة لأن المخاطرة التجارية فيها عالية بسبب مطل المدينين أو إفلاسهم أو تعرضهم للمرض وفقدان الدخل أو الموت. ويتحقق الاستقرار لأن شركات التأمين يمكن إن تضمن تلك الحقوق في حالة وفاة المدين أو عجزه عن الكسب أو هلاك الرهون التي توثق بها تلك الديون.

هـ- الاستقرار الاجتماعي وذلك بتعويض العمال في التأمينات الاجتماعية عن أضرار الحوادث وتوفير برامج التقاعد والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والتأمين ضد البطالة.

و- الاستقرار التجاري عن طريق التعويض عن المسؤولية تجاه الآخرين.

ز- تعبئة المدخرات الضخمة التي تتكون عن دفع الناس أقساط التأمين بأنواعه المختلفة إلى شركات التأمين وثم توجيهها عن طريق تلك المؤسسات نحو المشاريع الاستثمارية وبخاصة طويلة الآجل. إن شركات التأمين تعد أكثر المؤسسات قدرة على جمع المدخرات والادخار كما هو معلوم أساس نحو الاقتصاد الوطني.

تعريف التأمين :

التعريف الاقتصادي :  يمكن تعريف التأمين من الناحية الاقتصادية بأنه: "أداة لتقليل الخطر الذي يواجهه الفرد عن طريق تجميع عدد كافٍ من الوحدات المتعرضة لنفس ذلك الخطر (كالسيارة والمنزل والمستودع...الخ) لجعل الخسائر التي يتعرض لها كل فرد قابلة للتوقع بصفة جماعية، ومن ثم يمكن لكل صاحب وحدة الاشتراك بنصيب منسوب إلى ذلك الخطر".

التعريف القانوني : كما يمكن تعريف التأمين من الناحية القانونية بأنه "عقد يتعهد بموجبه طرف مقابل أجر بتعويض طرف آخر عن الخسارة إذا كان سببها وقوع حادث محدد في العقد". وقد عرفه القانون المدني المصري الجديد (م747) بأنه: "عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو إيرادا مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المعين في العقد وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية يؤديها المؤمن له للمؤمن".

أطراف عقد التأمين :

أ- المسـتأمـن : 

وهو الذي يدفع قسط التأمين وقد يسمى أحيانا المؤمن له. ويفرق أرباب التأمين بين المستأمن والمستفيد إذ ربما يدفع الأقساط طرف ويستفيد من التعويض طرف آخر بشكل كلي أو جزئي. فمثلاً في التأمين على الحياة المستفيد ليس هو المستأمن فالمستأمن هو منشئ البوليصة ودافع الأقساط والمستفيد من يحصل على التعويض عند موت المستأمن. والمستأمن في التأمين ضد الحريق هو مالك البيت أو المستودع ولكن يكون جاره مستفيداً إذا كان هو الذي تسبب خطأه في إحداث الحريق إذ لو لم يكن المصاب مؤمناً لالتزم الجار بالتعويض. وفي التأمين ضد المسؤولية يستفيد المستأمن ولكن يستفيد أيضاً من وقع عليه الضرر بالحصول على التعويض إذ لو لم يكن محدث الضرر مؤمناً ربما لم يحصل المتضرر على تعويض.

ب- المؤمـن : 

وهي الجهة التي تقدم خدمات التأمين وتحصل على الرسوم عن طريق بيع البوليصات التي تتضمن التغطية التأمينية، وتكون مؤسسات تجارية لغرض الاسترباح، أو تعاونية لنفع المشتركين في البرنامج أو حكومية.

محل عقـد التأمـين:

اتجهت الآراء الفقهية المعاصرة إلى إن عقد التأمين عقد معاوضة فيه ثمن (هو رسوم التأمين) ومثمن (هو التعويض الذي يدفع عند وقوع المكروه) وبائع (هو الشركة) ومشترٍ (وهو المستأمن).

لكن التصور الصحيح لعقد التأمين هو أنه عقد معاوضة المحل المتعاقد عليه فيه هو الالتزام بالتعويض وليس المبلغ المحدد للتعويض، فالمستأمن يدفع مبلغاً محدداً (رسوم التأمين) مقابل التزام الشركة بتعويضه عن الضرر في حال وقوع المكروه الموصوف في العقد، تعويضاً متفقاً عليه. ولذلك فان المحل المتعاقد عليه –وهو الالتزام- موجود في عقد التأمين سواء انتهى بدفع التعويض عن الخسارة، أم تحققت السلامة للمستأمن.

وعلى ذلك فان الالتزام الذي تلتزم به الشركة للتعويض ليس أمراً إحتمالياً بل هو واضح يحصل عليه المستأمن بمجرد إنعقاد العقد ويحصل معه الشعور بالأمان الذي اشتق منه اسم التأمين، سواء انتهى العقد بوقوع المكروه ودفع التعويض انتهى بالسلامة وعدم الحاجة إلى دفع التعويض.

ورب قائل لا يكون بين التصور الأول والتصور الثاني فرق إلا في حالة كون الالتزام من قبل الشركة هو التزام بتعاقد جديد يكون فيه ثمن ومثمن. أما وقد التزمت الشركة بتعويضه عن الضرر فهي إما إنها ستدفع مبلغاً للتعويض وإما إنها لن تدفع مع قبضها في كلا الحالين للرسم الذي هو ثمن الالتزام (إذا تصورناه كذلك) والجواب إن ما ذكر صحيح لو كان هذا عقداً واحداً منفرداً ولكن الشركة القائمة على التأمين تطبق قانون الأعداد الكبيرة. ولذلك فهي تجمع من كل المستأمنين رسوماً تكفي لتغطية مخاطرهم المتوقعة فالتزام الشركة بالتعويض عن الضرر إنما هو التزام منها بان تدفع لمن تعرض للمكروه جزءاً من الأموال التي بيد الشركة والتي جمعتها من المستأمنين.

صفة المكروه الذي يمكن التأمين ضده :

ليس كل ما يتعرض له الإنسان من المخاطر قابل للتأمين ضده إذ أن بعض المخاطر التي يتعرض لها الإنسان غير قابلة للحساب ولا التوقع. ولا بد إن تتوافر على المكروه الذي يمكن إن يكون موضوعاً للتأمين صفات معينة يمكن عند و جودها حساب المخاطرة وتقدير أقساط التأمين اللازمة للتعويض عنها وهذه الشروط هي :

أ- وجود عدد كافٍ من المستأمنين يمكن من إعمال قانون الأعداد الكبيرة. فإذا كان العدد قليلاً لا يمكن لشركة التأمين حساب المخاطرة ومن ثم لا تستطيع تقدير قسط التأمين.

ب- إن تكون الخسارة الناتجة عن المكروه واضحة لا لبس فيها. والموت هو أكثر المكروهات وضوحاً، ولذلك فان أيسر عمليات التأمين من ناحية الحساب هي التأمين على الحياة لأن التعويض فيه مرتبط بواقعة لا يختلف عليها. وليست كل أنواع المكروهات بهذا الوضوح فالتأمين الصحي مرتبط بالمرض لكن المرض لا يمكن دائماً التأكد من وقوعه (مثل آلام الظهر لا يوجد حتى الآن جهاز يستطيع أن يثبت عدم وجود هذه الآلام التي قد يحس بها الإنسان مع كون جميع أجزاء جسده في أحسن حال).

ج- إن يكون وقوع المكروه غير متعمد وان لا يكون للمستأمن يد في وقوعه. فإذا احترق مستودع التاجر بفعله لم تدفع الشركة التعويض له.

د- يجب إن لا يقع الأعداد الكبيرة دفعة واحدة. ولذلك لا يوجد تأمين ربحي ضد البطالة لأنها تحدث لأعداد غفيرة في وقت واحد تسبب الإفلاس للشركة، أو ضد الحروب والانقلابات....الخ. فالتأمين ضد البطالة تختص به الحكومة لأن عملها ليس معتمد على حساب الربح والخسارة.

هـ- إن يكون احتمال وقوع المكروه قابلاً للحساب، أي يكون لدى المؤمن القدرة على تقدير الخطر.

و- إن يكون للمستأمن مصلحة فيما وقع التأمين عليه، فلا يمكن لفرد أن يدفع قسط التأمين ضد الحريق على منزل جاره بحيث لو وقع المكروه تسلم هو التعويض، لأنه لا مصلحة له في منزل جاره فهو لم يخسر شيئاً بسبب وقوع الحريق.

هل التأمين ضرب من القمار؟

يشبه التأمين القمار في حقيقة إن المقامر والمستأمن كليهما يدفع مبلغاً محدداً من المال ثم يستقبل المقدار، فربما كسب أضعاف ذلك المبلغ وربما خسر جميع ما دفع لشركة التأمين. ولا زال الناس يقارنون بين عقد التأمين والقمار منذ نشأ التأمين. بل ورد إن بعض القضاة في المحاكم البريطانية في القرن الثامن عشر لم يكونوا يرون فرقاً بين القمار والتأمين. ولذلك ما كانوا يحكمون بضرورة إن يكون الأصل المؤمن عليه ملكاً للمستأمن لأنهم يقيسونه على القمار ويحكمون فيه بالقوانين المنظمة للخطر والمراهنة (ولم يكن القمار عندهم محرماً). حتى صدر قانون التأمين البحري سنة 1745م فمنع مثل ذلك.

يرى أرباب التأمين إن الفروق جوهرية بين التأمين والقمار وان هذا التشابه لا يخفي حقيقة اختلاف العقدين عن بعضهما البعض للأسباب التالية:

أ- إن المقامر يدفع مبلغاً من المال لتوليد خطر مصطنع ينبني عليه خسارة ما دفع من مال، أو الفوز بأضعاف ذلك، وان هذا الخطر غير موجود في الطبيعة وإنما هو من صنع المقامرين يتولد عندما يدفع كل مشترك حصته في القمار (كاليانصيب وما شابه ذلك). وفي نهاية اللعبة يربح الرابح ويخسر الخاسر. أما التأمين فهو يتعلق بأمر خارج عن إرادة كل الأطراف وهو خطر حقيقي ناتج عن ما قدر الله عليهم من المصائب والمكاره التي تصيب الأموال والأولاد. ومن ثم فان غرض دفع القسط التأميني ليس الاسترباح من ذلك الخطر بل والاحتماء منه والتعويض عن أضراره.

ولذلك فإنهم يفرقون بين الخطر القماري (Speculative Risk) لأنه يحتمل الربح والخسارة، والخطر في التأمين فيسمونه الخطر المحض (Pure Risk) لأنه لا يحتمل إلا الخسارة أو بقاء الأمور على ما هي عليه. مثال ذلك لو إن رجلاً اشترى أسهم شركة لغرض الاستثمار فإنه يتعرض للربح والخسارة ولذلك لا يمكن لشركة تأمين أن تقبل أن تؤمن على تلك الأسهم ضد الخسارة لأن هذا من النوع الأول من المخاطر، ولو فعلت لصار عملها قماراً وليس تأميناً.

ب- إن القمار وسيلة للإثراء، لأن المقامر إذا استفاد في العملية أصبح أغنى مما كان عليه قبل المقامرة، وإذا خسر صار أقل ثراء مما كان عليه. أما التأمين فليس وسيلة للإثراء إذ يقتصر على التعويض عن الضرر الواقع فحسب بمثل ثمنه أو أقل من ذلك. وتمنع أعراف وقوانين التأمين أن يحصل المستأمن على أكثر من ذلك حتى لا ينقلب العقد إلى وسيلة للإثراء غير المشروع.

وسائل إبعاد التأمين عن القمار:

 صار جلياً إن التأمين في نظر أربابه مختلف عن القمار. ومع ذلك فان هذه الفروق إنما هي نتيجة تقيد نشاط التأمين بقواعد وشروط تبعده عن القمار. ولا ريب إن المنطق الذي اعتمد عليه التأمين يفسده استخدام الناس لهذه الوسيلة النافعة لغرض المقامرة. ولذلك تحرص القوانين المنظمة لعمل التأمين وتسعى الشركات المتخصصة في ذلك إلى تبني الطرق والقيود والإجراءات التي تضمن عدم انقلاب عقد التأمين إلى وسيلة للقمار. من ذلك مثلاً :

أ-   لا تقبل هذه الشركات التأمين ضد أي خطر بل لا بد إن يكون ضمن ما يسمى "الخطر القابل للتأمين" (Insurable Interest)، ومن شروطه أن يكون للمستأمن مصلحة مباشرة فيما أمن عليه مثل أن يكون الأصل المؤمن عليه مملوكاً له أو يكون مرهوناً عنده بدين، ويشترط أن تكون هذه المصلحة موجودة عند وقوع المكروه. فإن وجدت عند إنشاء بوليصة التأمين (مثل إن يؤمن على بيت مملوك له) ثم لم توجد عند وقوع الحريق (كأن يكون باع ذلك المنزل) لم يستحق التعويض. والغرض من هذا الشرط إن لا يكون التأمين وسيلة للإثراء غير المشروع.

ب-  لا تقع التغطية في التأمين إلا بمقدار الضرر الواقع حتى لا يكون سبيلاً للإثراء ولا توليد الحوافز على المجازفة بإحداث المكروه للحصول على التعويض. فإذا أمن على بيته ضد الحريق بمبلغ مليون ريال وهي قيمة البيت عند إصدار البوليصة، ثم لما وقع المكروه كانت قيمته لا تتعدى 750 ألفاُ، لم يحصل إلا على المبلغ الثاني لأن هذا هو مقدار الضرر الذي وقع عليه عند وقوع المكروه.

ج- وتنص أكثر القوانين على ضرورة أن يتنازل المستأمن لشركة التأمين عن كل ما يمكن أن يحصل عليه من تعويض عن الضرر من محدث الضرر. وإذا كان مؤمناً فوقع المكروه بفعل فاعل واستحق التعويض ليس له إن يقوم هو بمقاضاة الفاعل والحصول منه على تعويض زيادة على ما حصل عليه من شركة التأمين إذ لا يستحق من ذلك شيئاً إلا إذا كان ما يحصل عليه من الشركة المؤمنة أقل من مقدار الضرر الحقيقي فيحصل عندئذٍ من الفاعل (أو من الشركة المؤمنة) على الفرق بينهما. وتعطي القوانين الشركة المؤمنة الحق في إن تقوم هي بملاحقة المتسببين في حصول الضرر إن كان بفعل فاعل.

د- كما لا تسمح القوانين، وكذا يشترط في وثائق التأمين إن لا يؤمن على نفس الأصل لدى أكثر من شركة وإذا فعل لم يستحق إلا على مقدار ما وقع من ضرر يشترك فيه المؤمنون.

 هـ- لا يكون التأمين على الأصول إلا بأقل من قيمتها الحقيقية، بحيث يشترك المؤمن والمستأمن في تحمل الخطر، لتقليل ما يسمى المخاطرة الأخلاقية في العقود تلزم شركة التأمين المستأمن بدفع جزء من مبلغ التعويض ويسمى (Deductible) لغرض إبعاد عقد التأمين عن القمار.

أنواع التأمين بحسب طريقة التنظيم:

يمكن إن يقدم التأمين شركات ومؤسسات من القطاع الخاص، كما يمكن إن تقدمه الحكومة. وسوف نعرض أدناه لأهم الصيغ التنظيمية للتأمين.

التأمين الحكومي :

وهو التأمين الذي تقوم به الحكومة لمنفعة أفراد المجتمع وأهم أنواع هذا التأمين برامج التقاعد والضمان الاجتماعي، وأنواع التأمينات الاجتماعية...الخ وهو ينهض بحاجات لا يغطيها التأمين في القطاع الخاص. ويتميز التأمين الحكومي عن سائر أنواع التأمين بما يلي:

1- إن الاشتراك في البرنامج يكون إلزامياً لجميع الأفراد الذين ينطبق عليهم أوصاف يحددها القانون فموظفي الحكومة يشتركون جميعهم بلا استثناء في معاشات التقاعد وهم ملزمون بذلك.

2- يستحق المشارك في التأمين الاجتماعي التعويض بمجرد الاشتراك ودفع الاشتراكات المطلوبة دون الحاجة إلى إثبات عوزه أو حاجته المالية. فهو يختلف عن أنواع البرامج الاجتماعية التي تقدمها الحكومة.

3- يحدد القانون طرق تحديد التعويضات، ولا تكون مستمدة من اتفاقيات فردية بين المؤمن والمستأمن كما هو الشأن في التأمين التجاري.

4- إن التعويضات في التأمين الحكومي غير معتمدة على مقدار الاشتراكات بالنسبة للفرد، ولكنها مقننة ضمن نظام عام للتأمين. بخلاف التأمين الخاص حيث يختار المستأمن التغطية  التأمينية المطلوبة ويدفع الرسوم الخاصة بها.

ففي بعض الدول تقوم الحكومة بفرض ضريبة عامة على دخول القادرين، ثم تدفع معاشاً تقاعدياً لكل من بلغ الستين بصرف النظر عما إذا كان موظفاً لديها أو غير موظف وبدون دفع اقتطاعات تقاعدية خاصة به.

5- تديره الحكومة أو إحدى مؤسساتها العامة.

6- ويغطي التأمين الحكومي في الغالب المكاره التالية : الموت، والإصابات المقعدة عن العمل، والمرض والشيخوخة وتعويضات البطالة والتقاعد. وقد تمتد أغراض التأمين الحكومي إلى تغطية مخاطر يختص بها القطاع الخاص عادة. ففي بعض الدول تقوم الحكومة بالتأمين على جميع المواطنين ضد ما تسببه الحوادث من موت أو أضرار جسدية حيث تدفع تعويضاً إلى إي مواطن يتعرض لحادث يكون غير متعمد ويجري تغطية تكاليف ذلك من ضريبة تفرضها على دخل ذوي اليسار من المواطنين. ومثل هذا التأمين موجود في نيوزيلندا وهو بلا شك صورة من صور التكافل. وكذا ما تقوم به بعض البلدان من دفع معاش تقاعدي لكل مواطن يبلغ الستين ولا يكون على رأس العمل بصرف النظر عن أعماله السابقة ولا يحتاج إن يدفع للحكومة أقساط شهرية لكي يكون مؤهلاً للحصول على هذا المعاش. ومصدر تمويل ذلك هو حصيلة الضرائب.

شركة التأمين التجاري : 

وتشبه شركة التأمين التجارية، الشركات الأخرى التي يكون غرضها الربح إذ يكون لها رأس مال، ويكون لها أسهم قد تتداول في الأسواق ويكون هدفها الأساسي هو توليد الأرباح لأصحاب الشركة الذين يدفعون رأسمالها ويمتلكون الأسهم. ولذلك يسمى هذا النوع من شركات التأمين أحياناً: "الشركات ذات الملاك" وهي ذات مسؤولية محدودة ولذلك فإن الحد الأعلى لمسؤولية حامل السهم هو قيمة ما دفعه لشرائه. والمؤمن هو الشركة وليس حامل السهم. ولا يمكن لحامل السهم الانسحاب من الشركة ولكن يمكن له بيع أسهمه في السوق. والمستأمن يشتري بوليصة التأمين فيحصل على الالتزام بالتعويض بصرف النظر عن الوضع المالي للشركة إذ يكون ما يستحق من تعويض ديناً ممتازاً على تلك الشركة. وليس له إن يشارك في الربح.

شركة التأمين اللاربحي : 

مؤسسة التأمين اللاربـحية هي هيئة يملكها حملة بوالـص التأمين (Mutual Insurance) والمستأمنون فيها مثل حملة الأسهم في الشركات المساهمة ولهم ما لحملة الأسهم من حقوق. وليس لها راس مال إذ إن رأسمالها هو حصيلة الرسوم (أي قيمة بوالص التأمين) عند بداية عمل الشركة ثم تتراكم فيه الاحتياطيات. وتدفع الشركة للمستأمنين ريعاً سنوياً وهو ربحها المحاسبي. وقد يتضمن عمل مثل هذه الشركات إعادة التقويم بالقدر الذي يكفي لتغطية الخطر.

آراء الفقهاء في التأمين :

اتصل التأمين بالفقهاء المسلمين للمرة الأولى في القرن التاسع عشر ولعل أول فقيه تحدث عن التأمين بصيغته المعهودة اليوم هو العلامة محمد أمين ابن عابدين المولود سنة 1784م. وقد عرف المسلمون عقد التأمين عندئذٍ من البحارة الأوروبيين إذ كانت سفنهم يغطيها التأمين البحري الذي يسمى في ذلك الزمن سكيوريتيه (بالفرنسية) وأشتهر عند المسلمين باسم "سوكره"، فقال فيه ابن عابدين لما سئل عن حكمه: "إذا عقد في بلد إسلامي كان عقد معاوضة فاسد لا يلزم الضمان به لأنه التزام مالا يلزم شرعاً وهو باطل عند الأحناف".

وقد اختلف الفقهاء منذ ابن عابدين في حكم التأمين فمنهم من أجازه بلا تحفظ وهم قلة قليلة، ومنهم من أجاز أنواعاً منه حتى لو كان على صفة التأمين التجاري، إلا إن جمهورهم منذ ابن عابدين قد منع التأمين التجاري وأجاز صيغة بديلة تسمى التأمين التعاوني.

ولعل أول جهد فقهي جماعي يُعنى بدراسة التأمين التجاري (على أساس مجمعي) ما وقع في ندوة أسبوع الفقه الإسلامي بدمشق في شوال 1380هـ (ابريل 1961م) فقد قدمت أبحاث فقهية في التأمين تباينت أراء أصحابها. وشهدت تلك الندوة الخلاف الشهير بين مصطفى الزرقا ومحمد أبو زهرة رحمهما الله جميعاً حول المسألة. ولم ينته المؤتمر إلى رأي محدد عدا الدعوة إلى ابتكار نظام إسلامي للتأمين. ثم جرى بحث الموضوع في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهـر في مؤتمـره الثاني سنة 1385هـ (1965م) وأجاز المؤتمرون فيه نظام التقاعد كما أجازوا قيام الجمعيات التعاونية لغرض التأمين حيث يشترك جميع المستأمنين فيها بالتأمين. ولكنه توقف في مسـألة التأمين التـجاري. وفي عام 1392هـ (1972م) دعت ندوة التشريع الإسلامي التي انعقدت بطرابلــس ليبيا إلى إن يعمل على إحلال ما أسمته التأمين التعاوني محل التأمين التجاري. وفي عام 1397هـ (1976م) قرر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة حرمة التأمين بكل أنواعه. ثم نص قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الأولى في سنة 1398هـ على تحريم التأمين بجميع أنواعه (وكان القرار بالأكثرية إذ لم يوافق الشيخ مصطفى الزرقا على هذا القرار وكان عضوا في المجمع).

اعتراضات الفقهاء المعاصرين على التأمين التجاري:

كان قرار مجمع الفقه الإسلامي (رابطة العالم الإسلامي) الصادر سنة 1398هـ قراراً طويلاً مفصلاً تضمن تقرير لجنة كونها المجمع وعمد إليها بصياغة القرار وتكونت من الشيخ عبدا لعزيز بن باز رحمه الله والشيخ محمد السبيل والشيخ محمد محمود الصواف رحمه الله.

وقد استندت اللجنة المذكورة (ثم المجمع الفقهي) في قولها بحرمة التأمين إلى الأوصاف التالية التي وجدتها في التأمين التجاري:

1- فيه غرر فاحش لان المستأمن لا يستطيع إن يعرف في وقت الدخول في العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ.

2- ضرب من ضروب المقامرة لان فيه غرم بلا جنايه وغنم بلا مقابل وبمقابل غير مكافئ.

3- انه يشتمل على ربا الفضل والنسا، فإذا دفعت الشركة إلى المستأمن أكثر مما دفع لها فهو ربا فضل، ولأنه يدفع بعد مدة فيكون ربا نساء أيضا.

4- انه من الرهان المحرم لأنه فيه جهالة وغرر ومقامرة، وقد حصر النبي y رخصة الرهان بعوض في ثلاثة في خف أو حافز أو نصل.

5- فيه أخذ مال الغير بلا مقابل وهو محرم.

6- الإلزام بما لا يلزم شرعاً لان المؤمن لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه.

كما ردت في تقريرها على أدلة المجيزين للتأمين فردت استدلال إباحته بالاستصلاح بالقول إن هذه مصلحة شهد الشرع بإلغائها، وردت القول بالإباحة الأصلية أي إن الأصل في العقود الجواز لوجود النص، وردت القول بإجازتها بناء على حكم الضرورة إذ لم تر تلك ضرورة تبيح المحظور، وردت الاستدلال بالعرف لان العرف ليس من أدلة التشريع، ونفت إن يكون التأمين من أنواع عقود المضاربة، وردت القياس على ولاء الموالاة وهو ما يكون من الفرد إذا ألحق نسبه بقبيلة أو نال حريته بالعتق لان ذلك قصده التآخي وهذا غرضه الربح، ولم تقبل قياسه على الوعد الملزم لان غرضه ليس المعروف والقربة بل الربح، وكذا قياسه على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب لان الضمان نوع من التبرع بينما التأمين معاوضة، وكذا قياس التأمين على ضمان خطر الطريق الذي قال الفقهاء بجوازه فانه في رأي اللجنة قياس مع الفارق. كما لم تقبل قياس التأمين على نظام التقاعد الذي سبقت الفتوى بجوازه لان التقاعد "حق التزام به ولي الأمر باعتباره مسؤولاً عن رعيته وراعى فيه ما قام به الموظف من خدمة الأمة" فليس هو في رأي اللجنة من المعاوضات المالية. كما ردت القياس على نظام العاقلة (وعاقلة الرجل هم أفراد قبيلته يتحملون عنه دية القتل الخطأ) لان تحمل دية القتل الخطأ وشبه العمد الأصل فيها صلة القرابة والرحم التي تدعو إلى النصرة والتواصل إما عقود التأمين التجارية فليست كذلك. وردت قياسها على عقود الحراسة لان الأمان ليس محلاً للعقد في المسألتين. وكذا قياسه على الإيداع لان الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بالحفظ.

صيغة التأمين المفتى بجوازها :

ذكرنا سابقاً إن الفتاوى المجمعية قد اتجهت إلى القول بحرمة التأمين التجاري وقد قدمت صيغة التأمين التعاوني بديلاً مقبولاً من الناحية الشرعية فما هي صفة هذا التأمين وما اختلافه عن التأمين التجاري.

ورد في قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما نصه :

"التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار والاشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث وذلك عن طريق أسهم أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر فجماعية التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحاً من أموال غيرهم وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر. والثاني خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة فليس عقود المساهمين ربوية ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية".

يتضح مما سبق إن التأمين الذي تشير إليها الفتوى يتصف بما يلي :

1- انه اتفاق بين مجموعة المستأمنين.

2- التزام كل فرد من المستأمنين فيه نحو الآخرين لا يتوقف على مقدار ما دفع من قسط ولكن حدوده القصوى هي نصيبه من الخطر العام لان هذا هو معنى التعاون والتكافل.

3- إن الفتوى لا تمنع استثمار أقساط التأمين لمصلحة أصحابها ولكنها تشترط إن يكون ذلك ضمن نطاق المباح.

صيغة التأمين التعاوني :

لم تظهر شركات التأمين الإسلامية إلا بعد صدور الفتاوى المجمعية التي قدمت صيغة التأمين التعاوني بديلاً عن التأمين التجاري المفتى بتحريمه.

وشركة التأمين التعاوني شركة وظيفتها إدارة الأموال وليس الضمان كما هو الحال في شركات التأمين التجاري.

فتقوم شركة التأمين التعاوني بتصميم محافظ تأمينية مثل محفظة التأمين ضد حوادث السيارات. فتحدد طبيعة الخطر وتقوم بالحسابات الاكتوارية المناسبة وتصمم برنامج التعويض....الخ. ثم تدعو من أراد إلى الاشتراك في هذه المحفظة بدفع قسط محدد متناسب مع الخطر. ثم تجمع هذه الأموال في المحفظة المذكورة وتديرها باستثمارها لصالح أصحابها. هذه الأموال تبقى ملكاً للمشاركين، ومهمة الشركة إدارتها لصالحهم. فإذا وقع المكروه على أحدهم، قامت الشركة بالاقتطاع من تلك الأموال ثم تعويضه بالقدر المتفق عليه. وتجري تصفية هذه المحفظة سنوياً بإصدار حسابات ختامية لها. فإذا وجد في نهاية العام إن الأموال في تلك المحفظة قد فاضت عن حاجة تعويض من وقع عليهم المكروه، ردت الشركة ما زاد إلى المشاركين في المحفظة. وإذا نقصت تلك الأموال فلم تكن كافية لتعويض جميع من وقع عليهم المكروه في ذلك العام، كان على الشركة إن ترجع على مجموع المشاركين وتطالبهم بدفع قسط إضافي، ذلك لان فكرة التأمين التعاوني قد قامت على "التكافل" بين المشتركين في المحفظة وليس على ضمان الشركة للتعويض على المكروه الذي وقع للمشترك. ولكن نظراً لصعوبة مطالبة الشركة للمشتركين بدفع قسط إضافي وبخاصة أولئك منهم الذين لم يعودوا أعضاء في المحفظة تعمد شركات التأمين التعاوني إلى تقديم قرض بلا فائدة من ملاك الشركة إلى المحفظة التي إحتاجت إلى الزيادة ثم تسترده في الفترة التالية. فكأنها قد جعلت عملية التكامل المذكورة تجري بين المشتركين في هذا العام والمشتركين في قابل.

وعلاقة الشركة بهذه المحفظة تقوم على أساس الوكالة فهي تدير المحفظة مقابل أجر مقطوع منصوص عليه في الاتفاقية والربح إذا تحقق يكون للمشتركين وكذا الخسارة تكون عليهم إذ إن الوكيل مؤتمن فلا يضمن.

وربما قامت العلاقة على أساس المضاربة، فتكون الشركة مضارباً يدير المحفظة بجزء من الربح المحقق من الاستثمار. وفي هذه الحالة لا تستحق الشركة إلا نصيباً من الربح إذا تحقق.

أوجه الاختلاف بين شركة التأمين التعاوني وشركة التأمين التجاري:

إن الاعتراض الرئيس على صيغة التأمين التجاري هي إنها غرر ومخاطرة. ذلك إن دفع المستأمن مبلغاً من المال إلى شركة التأمين التجاري مقابل الضمان يترتب عليه الدخول في عقد شبيه بعقود الميسر والقمار. فهو عقد احتمالي ربما حصل في النهاية على تعويض يمثل أضعاف ما دفع وربما دفع تلك الرسوم ولم يحصل على شئ، وكل ذلك معلق بأمر احتمالي هو وقع حادث منصوص في البوليصة.

هذا من عقود الغرر التي ورد النهي عنها في حديث رسول الله y.

أما في التأمين التعاوني، فإن العملية معتمدة على التأمين المتبادل بين المشتركين وما يدفعه كل فرد منهم هو تبرع منه لهذه المحفظة التي يحصل منها التعويض. فكأنهم يجمعون مخاطرهم وكذلك أموالهم بالتبرع لكي يستأمن المشترك منهم بالركون إلى مساعدة إخوانه في حال وقوع المكروه عليه.

التأصيل الفقهي لنموذج التأمين التعاوني :

التأصيل هو الرد إلى الأصل وأصلته جعلت له أصلا ثابتاً يبنى عليه. فما الأصل الذي بنى عليه نموذج التأمين التعاوني؟

كان الاعتراض الرئيس على نموذج التأمين التجاري هو الغرر، إذ إن العلاقة التعاقدية بين المستأمن والشركة إنما هي عقد احتمالي كما سبق بيانه. والغرر في اللغة هو الخطر والخديعة وفي الاصطلاح الفقهي ما يكون مستور العاقبة، وعرفه بعض الفقهاء بأنه "ما تردد بين أمرين أحدهما أظن". وقد ورد في الحديث إن رسول الله y نهى عن بيع الغرر. ومن أمثلة بيوع الغرر المنهي عنها بيع الملامسة مثل إن يقول له كل ثوب لمسته فهو عليك بكذا، وبيع الحصاه كأن يرى حصاة مغلي أي شئ جاءت كان له بكذا...الخ. وقليل الغرر لا يمكن التحرز منه مثل شراء المبنى دون الكشف عن أساساته أو السيارة دون معرفة أجزائها الداخلية....الخ. ولكن ما يفسد العقود هو كثير الغرر الذي يترتب عليه إن تكون الحقوق والالتزامات التي تتولد من العقد. (مثلاً : قبض الثمن من قبل البائع، وقبض المبيع من قبل المشتري) فإذا كان أحدهما يحصل على حقوقه كاملة بينما إن الآخر حصوله على حقوقه أمر احتمالي فذلك المنهي عنه. لكن جمهور الفقهاء على إن الغرر الكثير مفسد لعقود المعاوضات مثل البيع والسلم والإجارة...الخ. إذ إن ذلك ما ورد النهي عنه.

أما عقود التبرعات كالهدية والأعطية ونحو ذلك، فان كثير الغرر لا يفسدها لان مبناها الإرفاق والتعاون والتكافل ونحو ذلك وليس الاسترباح والتجارة التي هي على المشاعة بين الناس. ولذلك فان الأصل الذي بني عليه نموذج شركة التأمين التعاوني هو نقل التأمين من عقود المعاوضات إلى عقود الارفاق والتبرعات. فبدلاً عن بيع شركة التأمين التجاري لبوليصة التامين، جعلنا المستأمنين ينشئون بينهم محفظة يحمون فيها المخاطر وما يكفي لتعويض من وقع عليه المكروه منهم، وهي تقوم على أساس التبرع لا المعاوضة.

جلي إن الغرر ملازم للتأمين على أي صيغة اعتمد. ذلك إن التأمين يتعلق بأمور غيبية لا يعلمها إلا الله. ولكن الفرق الأساس بين التأمين التعاوني والتجاري هو معالجة الخطر من خلال عقد التبرع الذي لا يفسده الغرر حتى لو كثر وليس عقد المعاوضة الذي يحوله كثير الغرر إلى الميسر والقمار.

  © جميع حقوق النشر محفوظة  لـ اسلامي اف ان 2003، Copyright 2003 Islamifn, All Rights Rescived

Webmaster islam@islamifn.com   Privacy Policy