عاش العالم الإسلامي الانحطاط قروناً عديدة ، فكان
الانهيار الاجتماعي والضعف اللذان يسرا سبيل السيطرة الأجنبية ، فكانت سبباً
في زيادة التفكك والتدهور . ولوحظ هذا التدهور بوضوح في كل جوانب حياة
المسلمين . وصاحبه الفقر والتفاوت الفاضح في الدخل والثروة والظلم الاجتماعي
الاقتصادي ، والتفسخ الاجتماعي ، والعجز عن الإبداع . لكن هناك حقيقة لا يمكن
إنكارها ، وهي أن جموع المسلمين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإسلام في كافة
أنحاء العالم الإسلامي ، وهي تواقة بكل إخلاص إلى صحوة الإسلام وسيادة
الإسلام .
إثر قرون الانحطاط تلك لم يعد لمجتمعنا ذلك الرونق
الروحي للإسلام وإذا ما اتخذنا أساساً للمجتمع الإسلامي المثالي المعايير
المهمة الثلاثة قوة الخلُق وأواصر الأخوة القوية ، والعدل الذي لا يتطرق إليه
الفساد ، فإن الدول الإسلامي تعطي صورة محزنة ، ليست أقل حزناً من مثيلتها في
بقية أنحاء العالم .
فكان لا بد من إحياء القيم الإسلامية ونشطت حركات الإصلاح على الدوام في
العالم الإسلامي بالرغم من المعوقات التي وضعتها في طريقها مراكز القوى
الأجنبية والمحلية والتي وجدت أن إحياء الإسلام يهدد مصالحها ، ومع تزايد
نشاط هذه الحركات لقد حققت نجاحاً متزايداً إلا أنها لم تستطع حتى الآن أن
تنفذ في العمق إلى قلب المجتمع الإسلامي . لذا تتطلب الأمة الإسلامية تحولاً
كاملاً ، لا يمكن تحقيقه بمجرد بعض التغييرات التجميلية في بضعة قطاعات من
المجتمع أو الاقتصاد بل يقتضي ذلك رفع مستوى الإنسان المسلم ، وإصلاح كافة
جوانب المجتمع الإسلامي ، الاقتصادية والسياسية .
إن إقامة النظام النقدي والمصرفي الإسلامي لا تحتاج مع
ذلك إلى انتظار تحقيق المجتمع الإسلامي المثالي الواعي أخلاقياً . ذلك لأن
نظام المشاركة الإسلامي لا يتطلب بالضرورة بيئة إسلامية كاملة ، بل يمكن
تطبيقه بنجاح حتى في البلدان غير الإسلامية . لكن وجود البيئة الإسلامية
الواعية أخلاقياً والمتجهة إلى العدالة مما يقوي النظام ، ويمكنه من حمل ثمار
أطيب وبوفرة أعظم .
ومن الخطأ مع ذلك الانتقال من النظام النقدي والمصرفي
الرأسمالي التقليدي السائد حالياً في العالم الإسلامي إلى النموذج الإسلامي
العادل بضربة واحدة ، أو خلال مدة قصيرة جداً فهذه المحاولة ربما تخنق النظام
كله ، وتسبب ضرراً عظيماً للاقتصاد ومن ثم للإسلام فعملية الانتقال يتعين أن
تكون تدريجية وعلى مراحل . ويجب أن تصاحبها إصلاحات أخرى في المجتمع .
للنظام النقدي والمصرفي دور مهم يتعين أن ينهض به في
الاقتصاد الإسلامي ولا بد أن يسهم في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية
الكبرى للإسلام ولا بد أيضاً من أن يستمر هذا النظام في أداء وظائفه العادية
المرتبطة بحقله الخاص ، وأداء الوظائف التي تؤديها النظم المصرفية الأخرى ولا
بد من تحقيق بعض الأهداف الوظائف المهمة في النظام النقدي والمصرفي الإسلامي
ومنها رفاهة اقتصادية عامة وعمالة كاملة ، ومعدل أمثل للنمر الاقتصادي ،
وعدالة اقتصادية اجتماعية ، وتوزيع عادل للدخل والثروة ، واستقرار قيمة
النقود ، لكي تكون واسطة التبادل وحدة حسابية موثوقة ، ومقياساً عادلاً
للمدفوعات المؤجلة ومستودعاً ثابتاً للقيمة ، وتعبئة واستثمار المدخرات في
التنمية الاقتصادية ، بطريقة تؤمن عائداً عادلاً لكافة الأطراف المعنية ،
تقديم كل الخدمات المتوقعة عادة من النظام المصرفي ، بطريقة فعالة . ربما
يقال إن أهداف ووظائف النظام النقدي والمصرفي الإسلامي، لا تختلف عن
مثيلاتها في النظام الرأسمالي . صحيح أن هناك تشابه ظاهري ، لكن في الحقيقة
هناك اختلاف كبير بينهما نتيجة الاختلاف في مدى التزام كل من النظامين بالقيم
الروحية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والأخوة الإنسانية ، فإن الأهداف
الإسلامية هي جزء من العقيدة والأيمان لا يمكن انتهاكه وفيها من القداسة
بمقدار ما تستند إلى القرآن والسنة فلا يمكن أن تكون موضع مساومة أو انتهازية
سياسية . |